مثقفي الهوتميل هم... الأخطر؟
!
يقول الأديب التشيكي ميلان كونديرا أن «الرغبة في التكرار تعني السعادة»، وان مثقفي الهوتميل أصبحوا في يومنا هذا من ذلك التكرار.. لأنهم تلمسوا السعادة على طريقتهم وفي نفس الوقت أن تلك السعادة نابعة من صداقاتُ الهوتميل الخطيرة، وأنها ليست كلها مهيأة للدخول إلى عمق غرفتك واختراق جوانحك.
فعناوين الهوتميل غالباً ما تنتقل لدواخلِ أصحابها، أما الأرقام فغالباً ما تشير بسنوات ميلادهم أو أرقام معينة ذات دلالة في حياتهم.
كما إن مثقفي الهوتميل ينقسمون إلى صنفين: منهم من يبدأ برسالة جميلة فيؤثث لصداقة راقية وتبادلية تحث وتحرض على الإبداع، ومنهم من يختبئ وراء مربع الشاشة من أجل البوح والفضفضة وحتى البكاء، حتى أنهم لا يتورعون عن إعلان أسمائهم زيادة في ترك الأثر.
الهوتميل عالمٌ يشبه الحياة. صورةٌ طبق الأصل. لكن الحب هنا مختلف،.وإنه سريع يصل إلى ذروته بلمح البصر ويؤثث لنهايته من أول كلمة حب،أنتَ تنسُج مع الهوتميل قصص حبك، ليس كما هي في الواقع. فقط، مربعٌ الشاشة الذي أمامك يعطيها هيئته. أنت تحب مربع الشاشة أكثر مما تحب المرأة التي تحدثك من ورائه. المربع يختصر رائحتها وابتسامتها وحركة يديها وهمساتها ويقدمها لك على طبق إلكتروني مطرز بالكلمات والحروف البنفسجية.
مع ليالي ونهارات الهوتميل الطويلة، صارت حياتنا لا تُحتمل. أنفاسك، كلمات الحب، التمنيات، الأحلام والأسرار... كلها تراها منشورة على الإنترنت ومتاحة لك في اليوم التالي.
تُتيح لك تكنولوجيا التيه والغبطة، وقد تستيقظ احياناً باكرا وفي ذهنك ،قراءة حوارك مع الآخر محفوظاً، مع أنك اعتدت على أن كل ما يقال يذهب قبض الريح!
الهوتميل يُشبه المعلبات فوق رفوف الدكاكين الشعبية. ترى كل شيء فيها مضغوطاً بالملح والتوابل لكي يعيش لسنوات وسنوات. وكما تستطيع أن تتخلص من محفوظاتك الغذائية فترميها، كذلك هناك زر يلغي بلمح البصر الكلمات والابتسامات والرسوم والمشاعر، وحتى التأوهات المخبأة بين السطور!
والكاتب في الهوتميل لم يكن يعرف وهو يقضم الهمبرغر في غرفته أن العالم بأسره يقف وراء بابه بانتظار قطعة صغيرة من مخدره المزيف. لم يكن يخطر على بال أحد أنه سوف يحيك في غرفته المثقلة بالتقنية شباكاً جميلة تغري حتى شعراء العالم ومثقفيها... نحن، الذين كنا نظن أن كل إغراءات الشاشة الصغيرة واللهفة التي تخلقها الثواني التي تفصل بين قراءة عنوان الرسالة وفتحها أخيراً لا تعني لهم شيئا.
الهوتميل ورطة، ولكنه، منفذٌ يمنع عنك الجنون!!.
تُرى، هل كان من الممكن لمثل صداقة ذلك الكاتب وآخرين مثله، أن ينمو بسهولة وتلقائية لولا هواء الإنترنت وعناوين الهوتميل والياهو؟ وهل كان من الممكن لحوافز الإبداع والسرد وخلق الحكايا أن تتفاعل من جديد بين أطراف القارات والدول، بحيث تُلغي خيوطُ الهواء العزلةَ الثقافية وتؤثث لمقدسات جديدة مع بداية القرن: أزرارٌ صغيرة تلمع أمامك وبأمر أصابعك على لوحة المفاتيح من أجل الإرسال والمحو والبحث واللقاء!؟
إن شاشة الإنترنت وكل عناوين البريد الإلكتروني التي تحملك لدخول عالم مشبع بهواء قد لا تعرف لها اتجاهاً معيناً. فقط، تعطيه أمرَ نفسكَ ورغباتِها.
الإنترنت سوقُ المعلومات وموطنُ كل الرغبات الملائكية والشيطانية، في آن.
سرعةٌ في تبادل المعلومات والتعرف عليها ونقلها، وشبكةٌ عالمية لطرح الأفكار وتبادل الآراء.
الصور والرسائل وما شئت من حمى العالم، تنفجر على شاشتك تباعاً.
مواقعُ شخصية لشعراء يعرضون قصائدهم بالصوت، مرفقةً بألبوم العائلة.
قصائد تقتفي أثر المعلقات السبعة.
ومربع الشاشة وجدران الكعبة، وجاهلية الشعر لا تعلم شيئاً عن تكنولوجيا الحداثة وما بعد الحداثة وطقوس العولمة.
من موقع لموقع ومن منتدى لمنتدى... يلاحقُ ركاب سفينة الانترنت ما يقودهم إلى أنفسهم: الكل يهيم على وجهه على غير هدى.، يريد الوصول إلى مبتغاة. وكأنه يقول في نفسه «ولحاجة في نفس ابن يعقوب».
وهكذا تكون مفاتيح البحث جاهزة، وكل شيء يقود إلى ما يقابلُه في عالم المعلومات والصور.
المهم، أن تطرح الكلمة أو العبارة فتأتيكَ العناوينُ مرصوصةً آخذةً شكلَ العالم ،لذلك تجد مثقفي الهوتميل هم الأخطر... وهم زعماء عالم التفنية الالكترونية.... ويا أمان الخائفين..؟؟!!